في حادثة صادمة أعادت الجدل حول سلامة السجائر الإلكترونية، تم تشخيص مراهق أمريكي بمرض نادر وخطير يُعرف باسم “رئة الفشار”، بعد استخدامه السري للسجائر الإلكترونية على مدار ثلاث سنوات.
تعرف هذه الحالة علميًا بالتهاب القصيبات المسدودة، وتُعد من أمراض الرئة غير القابلة للعلاج، وتُسبب تلفًا دائمًا في الشعب الهوائية الدقيقة، ما يؤدي إلى أعراض مزمنة تشمل السعال المتواصل، ضيق التنفس، الصفير، والتعب العام.
يعود أصل التسمية إلى بداية الألفية، عندما أُصيب عمال مصنع فشار في الولايات المتحدة بأمراض تنفسية بعد استنشاق مادة كيميائية تُستخدم في إعطاء الفشار نكهته الزبدة الغنية، وتعد هذه المادة، المعروفة باسم “ثنائي الأسيتيل”، من النكهات الغذائية الآمنة عند تناولها، لكنها تتحول إلى مادة سامة عند استنشاقها.
تتسبب رئة الفشار – وهو الاسم الشائع للحالة – في التهابات شديدة وتندب في القصيبات الهوائية، ما يؤدي إلى ضيق ممرات الهواء، وفي النهاية إلى فشل وظيفي جزئي أو كلي للرئتين، وبما أن المرض لا يمكن عكسه طبيًا، فإن الخيارات العلاجية تقتصر على تخفيف الأعراض، مثل استخدام الستيرويدات أو موسعات الشعب، وفي بعض الحالات المتقدمة، اللجوء إلى زراعة الرئة.
ارتبط مرض رئة الفشار في السنوات الأخيرة بمنتجات التدخين الإلكتروني، خاصة تلك التي تحتوي على نكهات، وعلى الرغم من حظر مادة ثنائي الأسيتيل في السجائر الإلكترونية في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، إلا أن غياب التشريعات الصارمة في دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، سمح بتسرب هذه المواد إلى منتجات السوق.
وتكمن خطورة السجائر الإلكترونية في كونها وسيلة استنشاق مباشر لمواد كيميائية غير مخصصة للرئتين، وقد ثبت أن بعض هذه المنتجات تحتوي أيضًا على مواد مسرطنة أخرى مثل الفورمالديهايد والأسيتالديهيد، التي تتولد عند تسخين السوائل الإلكترونية.
ما حدث للمراهق الأمريكي ليس حالة فردية، بل تذكير مأساوي بأزمة “إيفالي” التي اجتاحت الولايات المتحدة عام 2019، وأسفرت عن وفاة 68 شخصًا ودخول أكثر من 2800 حالة إلى المستشفى، حيث كانت مادة أسيتات فيتامين هـ، المستخدمة في بعض سوائل تبخير القنب، مسؤولة عن إنتاج غاز سام عند التسخين أدى إلى فشل رئوي حاد.
وتعتبر هذه المادة آمنة أيضًا عند تناولها لكنها تتحول إلى كارثة عند استنشاقها، لأن الجهاز التنفسي ليس معدًا للتعامل مع هذه المركّبات المعقدة التي تدخل مباشرة إلى مجرى الدم دون المرور بأي من آليات الترشيح التي يوفرها الجهاز الهضمي.
تحظى السجائر الإلكترونية بشعبية كبيرة بين المراهقين، ويرجع ذلك جزئيًا إلى توفرها بنكهات متنوعة وجذابة مثل العلكة والمانجو والكرز، ومع ذلك، فإن هذه النكهات تأتي بثمن صحي باهظ، فالمواد المُنكّهة المُستخدمة، وإن كانت آمنة للأكل، إلا أن استنشاقها قد يؤدي إلى أضرار جسيمة في الرئتين، من بينها رئة الفشار، وهي إحدى أخطر أضرار السجائر الإلكترونية على الإطلاق.
وقد أثبتت دراسات متعددة الجنسيات أن مستخدمي السجائر الإلكترونية من فئة الشباب يعانون من أعراض تنفسية أكثر حدة، بغض النظر عما إذا كانوا مدخنين تقليديين سابقين أم لا، كما أن بعض أنواع النكهات، وأملاح النيكوتين، ووتيرة الاستخدام، لها علاقة مباشرة بتفاقم الأعراض.
تحتوي منتجات السجائر الإلكترونية على أكثر من 180 نوعًا من النكهات المختلفة، والعديد منها يتحلل إلى مركّبات كيميائية غير معروفة عند تسخينها، وفي ظل غياب دراسات كافية حول سلامة هذه المواد عند الاستنشاق، تبقى مخاطرها الصحية محل شك كبير.
كما أن الأخطر من ذلك هو أن بعض البدائل الكيميائية المستخدمة كبديل لثنائي الأسيتيل – مثل الأسيتوين و2,3-بنتانيديون – قد تُسبب أضرارًا مماثلة، وربما أكثر.
أضرار السجائر الإلكترونية لا تقف عند حدود مادة كيميائية واحدة، بل هي نتيجة لتراكم طويل الأمد للتعرض لمزيج من المركبات السامة، ومن هنا تأتي الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في لوائح تنظيم هذا القطاع سريع النمو.
وتشير الأدلة إلى أن رئة الفشار ليست مرضًا عابرًا، بل مؤشرًا صارخاً على العواقب الوخيمة للتدخين الإلكتروني، خاصة مع السجائر الإلكترونية المنكهة، ومع أن بعض المنتجات قد تبدو أكثر أمانًا من السجائر التقليدية، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، فالقصة تبدأ غالبًا بنكهة لذيذة، وتنتهي بجهاز تنفسي منهك مدى الحياة.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
هل يبدأ الزهايمر قبل الثلاثين؟