في مشهد درامي لم يخلو من التوتر والمفاجآت، التقى رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في المكتب البيضاوي، في اجتماع سرعان ما تحوّل من لقاء دبلوماسي رسمي إلى مواجهة علنية بشأن قضايا حساسة تتعلق بسياسة الأراضي في جنوب أفريقيا، والاتهامات المثيرة للجدل حول ما يُسمى بـ”الإبادة الجماعية البيضاء”.
بدأ الاجتماع بخطاب دبلوماسي هادئ من رامافوزا، شرح فيه سياسة بلاده المتعلقة بإعادة توزيع الأراضي، مشيرًا إلى أن الدستور الجنوب أفريقي يضمن حق التملك ويحميه، لكنه يسمح، في حالات معينة، بمصادرة الأراضي لتحقيق العدالة الاجتماعية التي حُرِم منها السود لعقود طويلة في ظل نظام الفصل العنصري.
غير أن ترامب قاطع رامافوزا بحدة، قائلًا: “أنتم تأخذون أراضي الناس منهم”، حاول رامافوزا الرد بهدوء: “لم نفعل ذلك”، لكن ترامب تابع: “إنهم يُعدمون، وهم بيض، ومعظمهم مزارعون، لا أعرف كيف تُفسرون ذلك”.
يُذكر أن سياسة نزع الملكية دون تعويض في جنوب أفريقيا كانت مثار جدل داخلي ودولي منذ إقرار القانون في أوائل عام 2024، وتهدف هذه السياسة إلى تصحيح المظالم التاريخية التي تعرض لها السود، الذين يشكلون أكثر من 80% من السكان، لكنهم لا يملكون سوى 4% من الأراضي الخاصة.
خلال حقبة الفصل العنصري، تم تجريد السود من أراضيهم لصالح الأقلية البيضاء، ومع أن الفصل العنصري انتهى رسميًا عام 1994، فإن تركة الظلم ما زالت ماثلة في الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، الأمر الذي دفع حكومة رامافوزا لتبني نهج أكثر صرامة في إعادة توزيع الأراضي.
في خطوة صادمة خلال الاجتماع، أمر ترامب مساعديه بإطفاء أضواء المكتب البيضاوي وتشغيل مقطع فيديو يعرض مزاعم بـ”الإبادة الجماعية للبيض” في جنوب أفريقيا، ودام الفيديو قرابة خمس دقائق، واحتوى على مشاهد لم يتم التحقق من مصادرها، بما في ذلك لقطات لسياسيين من المعارضة مثل جوليوس ماليما وهم يهتفون شعارات عدائية ضد البيض.
ظهر التوتر جليًا على وجه رامافوزا أثناء عرض الفيديو، وسأله ترامب: “هل تعرف هذا المكان؟”، ليرد رامافوزا: “لم أر مثله من قبل”.
عندما سُئل ترامب عن مطالبته من رامافوزا بشأن الفيديو، قال: “لا أعرف”، بينما راح يلوّح بمجموعة من المقالات والصحف التي قال إنها تدعم مزاعمه.
دحض رامافوزا مزاعم ترامب بشأن “الإبادة الجماعية البيضاء”، مشيرًا إلى أن المزارعين البيض ليسوا هدفًا لأي حملة منظمة، وقال متحديًا: “إذا كانت هناك إبادة جماعية للمزارعين البيض، فأنا أراهن أن هؤلاء السادة الثلاثة – لاعبا الغولف ريتيف جوسن وإرني إلس، ووزير الزراعة ستينهويزن – لن يكونوا هنا معي اليوم”.
وأضاف: “لدينا مشكلة إجرامية في البلاد، ولكن الغالبية العظمى من ضحايا الجرائم هم من السود، وليس البيض”، وأشار إلى أن الشرطة لا تصدر بيانات الجريمة على أساس عرقي، وأن من بين قرابة 7000 جريمة قتل في ربع واحد من عام 2024، كانت فقط 12 حالة متعلقة بالمزارع، ولم يكن بينها سوى مزارع أبيض واحد.
لم تتوقف المواجهات عند الملفات الجنوب أفريقية، إذ دخل ترامب في مواجهة مع أحد المراسلين الذي سأله عن تقارير تفيد بأن قطر منحت الولايات المتحدة طائرة قد تُستخدم كرئاسية، حيث غضب ترامب من السؤال، وصرخ: “ما علاقة هذا بالطائرة القطرية؟ عليك أن تغادر هنا”، قبل أن يهاجم شبكة NBC ورئيسها التنفيذي.
وبينما سعت المتحدثة باسم البيت الأبيض إلى التخفيف من تداعيات الجدل، موضحة أن الطائرة كانت “تبرعًا قانونيًا”، كشفت تقارير صحفية لاحقًا أن إدارة ترامب نفسها هي من بادر بالاتصال بقطر بشأن الصفقة، وهو ما يناقض الرواية الرسمية.
في أعقاب عرض الفيديو الذي تضمن لقطات لجوليوس ماليما يهتف “اقتلوا البوير”، سخر السياسي الجنوب أفريقي على وسائل التواصل، كاتبًا: “مجموعة من الرجال المسنين يجتمعون للحديث عني في واشنطن”.
وأكد ماليما أن مواقف حزبه بشأن مصادرة الأراضي لن تتغير “من أجل مصالح سياسية أمريكية”.
في المقابل، سارع وزير الزراعة الجنوب أفريقي جون هنري ستينهويزن إلى التنديد بتلك الشعارات ووصف ماليما بالمتطرف، مؤكدًا أن حزبه شكل ائتلافًا سياسيًا مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم خصيصًا لمنع حزب ماليما من الوصول إلى السلطة.
في نهاية الاجتماع، حاول رامافوزا التخفيف من التوتر بالمزاح، قائلاً: “أنا آسف، ليس لدي طائرة لأقدمها لك”، فرد ترامب: “إذا عرضتم واحدة، سأقبلها”.
لكن المزاح لم يكن كافيًا لتبديد الأجواء المتوترة التي خيمت على اللقاء، الذي سلط الضوء على عمق التباينات بين البلدين في ما يتعلق بفهم العدالة والحقوق، وبين خطاب يستند إلى معلومات مثيرة للجدل، ورؤية تستند إلى تجارب معاشة وماضٍ طويل من القهر والاستعمار.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
ردود فعل غاضبة على استهداف جيش الاحتلال لوفد دبلوماسي دولي في جنين
مدير FBI السابق يرد على اتهامه بالدعوة لاغتيال ترامب
إنفوجرافيك| بتكلفة 175 مليار دولار.. ترامب يكشف تفاصيل “القبة الذهبية”